شيءٌ سيِّئ ان ننتمي للغدير، ثم يحكمنا طاغيةٌ ذليلٌ أَرعنٌ كصدّام حسين!.
والأَسوء من ذلك ان يحكمَنا من بَعْدِهِ بديلٌ خدعنا بشعاراتهِ [الغديريّة] لنكتشف فيما بعد أَنّهم أمويّون وان لم ينتموا!.
خدعتنا عمائمهُم الكبيرة ولِحاهم الطّويلة وسراويلهم القصيرة! فظننّا ان ذلك يكفي لإظهارِ وإِثباتِ الانتماء الى الغدير!.
نسينا او تناسَينا انّ العِمامة ليست أَكثر من زيٍّ كأيِّ زيٍّ آخر! فليس المهمُّ ما يضعهُ المرءُ فَوْقَ رأْسهِ، إِنّما المهمّ ما يحملهُ في رأْسهِ!.
نسينا او تناسَينا انّ قاتل أَمير المؤمنين (ع) كان مُعمّماً! وانَّ قاتل الحسين (ع) هو الآخر كان مُعمّماً، وانَّ عَمائم كثيرةٌ أفتَت للطُّغاة القتلةِ على مرِّ العصور! فشرعنت جرائمهُم وبرّرت مفاسدَهُم وفلسفت ظلمهُم للعبادِ! وما عمائم فقهاء التّكفير الذين يُفتون لبلاطِ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربيّة ببعيدين عنّا!.
أَمّا في العراق [الجديد] فلقد أفتَت عمائم حزبيّة كثيرة لتحمي فساد وفشل [القائد الضّرورة] تارةً ولتَحمي الفاسدين والفاشلين تارةً أُخرى! وكلُّ ذَلِكَ بآسم الغدير!.
تاجروا بالغديرِ عندما كانوا في المعارضةِ! وساوَموا على آلْغَدِيرِ عندما وصلوا للسُّلطة!.
واذا أردنا ان نتعلّم اليوم من التّجرِبة، ويجب ان نتعلّم منها اذا كُنّا نعتقد بالغديرِ وقيَمهِ، فيمكنُ القولُ انّ معيار حضور الغدير في المجتمع، ايَّ مجتمعٍ، هو العدْل، وليس أَيّ شَيْءٍ آخر، فكُلّما زادت نسبة العدلِ في المجتمعِ كُلّما كان الأقربُ الى آلْغَدِيرِ وقِيَمِهِ والى الْحَقيقَةِ الكُبرى المتوخّاة من التّبليغ، والعكس هو الصّحيح، فكُلّما تقلّصت مساحةُ العدلِ او غابَ عن المجتمعِ كلَّما دلَّ ذَلِكَ على انَّ الغديرَ غائبٌ عَنْهُ وانَّ قيَمهُ منسيّة مهما شَهِد المجتمع من إِحتفالاتٍ ومظاهر إِحياءٍ ماديَّةٍ أو حتّى روحيّةٍ.
وهذا ينطبق على المجتمع وعلى الفردِ على حدٍّ سواء، فكما نرى مُجتمعاً يبالغُ في المظاهر الماديّة لاحياءِ الذِّكرى وهو الأبعدُ عنها من ناحيةِ الواقعِ والسلوكيّات، كذلك نرى آمرِءً يُبالغُ في كلامهِ وخُطَبهِ وأحاديثهِ وإِدّعاءاتهِ عن علاقتهِ بالغديرِ، الا انّ واقعهُ وسلوكهُ اليومي وعلاقتهُ مع الآخر وتعاملهُ مع كلِّ ما يتعلّق بالشَّأن العام، هو سلوكٌ أمويٌّ بامتياز.
بمعنى آخر هو غديريُّ الهوى أمويُّ السيرة، غديريُّ الهويّة أمويُّ الفِعل، غديريُّ الشِّعار أمويُّ الدِّثار، غديريُّ التَّنظير أمويُّ الانجاز! واذا كنّا نقرأ او نسمع عن مثلِ هؤلاءِ في التّاريخ من دونِ ان نتخيّلهم او نتصوَّرهم في واقعِنا المُعاش فلقد رأَينا الكثير من هذه النّماذج القَذِرة الدجّالة التضليليّة في عصرِنا الحاضر وواقعِنا المُعاش!.
انّ الغديرَ عدلٌ في السّيرةِ، قبل السُّلْطَةِ يوضّحهُ قول صاحب الذِّكرى أَميرُ المؤمنين عليه السّلام في وصيّتهِ لسبطهِ البِكْر الامام الحسنِ المجتبى عليه السّلام {يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ} أَمّا في السّلطة فقولهُ عليه السّلام {وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الاِْمَاءُ، لَرَدَدْتُهُ; فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!} وقولهُ في عهدهِ الى مالكِ الأشتر لمّا ولّاه مِصر {وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ}.
وبينهُما وقبلهُما وبعدهُما إظهارُ الاستعدادِ الكاملِ للإصغاءِ الى العدلِ، كما يَقُولُ عليه السّلام {فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ}.
فلنعرِض أَنفسنا على هذه الرُّؤيةِ التي جسّدها [الحقيقة الكُبرى] الامامُ عليٍّ (ع) لنتثبَّت موطئ أَقدامِنا وما هي علاقتنا الحقيقيّة مع الغدير وقيَمهِ، ومدى قُربنا أَو بُعدنا عنها، امّا غير ذلك فلا يعدو أَكثر من تضليلٍ للذّات أَوَّلاً وقبل خداع الآخرين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
وما أعظمهُ من تشخيصٍ عظيمٍ للمرضِ الحقيقيِّ الذي ابتُليَ بهِ مُنافِقوا [العراقِ الجديد] الذين يتلوّنونَ يوميّاً بهويّتهم ويتقلّبون بآنتماءاتهِم ذات اليمينِ وذات الشِّمال، انَّ قلوبهُم مريضةٌ [نواياهُم، طريقةُ تفكيرهِم، مقاصدهُم!] ولقد تابعنا أَحدهُم قبل أَيّامٍ من على الشّاشة الصغيرةِ وهو يكشف عن قلبهِ المريض عندما حاول تضليل المُتلقّي وهو يتلاعب بالالفاظِ للتهرّب من الإقرار بالحقيقةِ المرّةِ! حتى سقط فيها في نهايةِ كلامهِ الأعوج!.
في الكشفِ عن العلاقةِ مع آلْغَدِيرِ وقيَمهِ لا يستقيمُ الزِّي والانتماء والخطاب والأقوال أَبداً، انّما تستقيمُ السّيرة والمسيرة والفعل والانجاز والعمل، ولذلك قال أَميرُ المؤمنين (ع) {قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ}.
الانجازُ الصّالحُ وَحْدَهُ هو علامةُ الغدير، والسّيرةُ الحسنةُ وحدها هي هويّةُ العلاقةِ مع آلْغَدِيرِ، وما دونَ ذلك كذبٌ محْضٌ! فكم من عِمامةِ سوءٍ تدّعي الانتماء الى آلْغَدِيرِ وهي أَبعدُ ما تكون عنه في السّلوكِ؟! وكم من (زعيمٍ مُفترٍ) يدّعي التزامهُ بالغديرِ وهو أمويُّ النّزعةِ في كلِّ تصرُّفاتهِ وسلوكيّاتهِ؟!.
مقالات اخرى للكاتب